[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أصالة عن نفسي نيابة عن جيل بأسره[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]في أيام الصبا ذهبت إلى ضريح الولي الصالح ألهو حول قبره المصبوغ بالجير الأبيض هناك حيث يرتاح رفات الآباء والأجداد. وباعتباري زعيم أصدقائي سرقت شمع الولي الصالح وأضأت به أزقة الدوار المظلمة التي يسرق موظفو البلدية الجشعون ميزانيات مصابيحها. نهبت السكر الذي تضعه النساء الأقاويات قرب قبر الولي الصالح وأكلته مع الخبز. الولي الصالح سيسامحني لأنه يعرف أنني مجرد أطفل جائع. أحسست بالجوع في ايام غشت الملتهبة فغزوت حقول "اكران" أقفز فوق الأسوار القصيرة أقطف حبات "الليم" و "تيكيدا" و "المشمش" غير عابيء بالمعاناة التي كنت أسببها لأصحاب تلك الحقول.
لكن عندما أرفع أنفي لكي أتنفس خارج بحر التفاصيل اليومية الصغيرة والمملة لحياتي. أكتشف أنني كابن لهذه المدينة التعيسة ضيعت أشياء مهمة بسبب انشغالي بالتافه منها.
فاتني أن أتعلم قبول اختلافاتنا عن بعضنا البعض، ورحت أجتهد لتحويل الجميع إلى صور متشابهة طبق الأصل لوجه واحد وموقف واحد وأغنية واحدة أتغنى بانجازات مسؤولينا التافهين.
فاتني أن أبحث عن المعارضة ورحت أبحث عن الإجماع والوفاق، ناسيا أن السياسة هي الحكم للأفضل وليست هي الحكم بالتناوب. فاتني أن أطالب بحقي في الشغل في مدينتي فانتهيت فقيرا وتحولت الى ما يشبه متسول للصدقات في المدن الداخلية.
فاتني أن أتناوب على حراسة صوتي من لصوص الديمقراطية فنامت عيني وجاء اللصوص وسرقوا أصوان ساكنة المدينة وليس صوتي وحده وصوتوا بها ضدا على مصالحنا في البلدية و الجماعات و حتى البرلمان. فاتني أن أحول الاحتجاج و الصراخ إلى لغتي الوحيدة، فتعلمت الشكوى مكان الاحتجاج، وأجدت فنون الحسرة والبكاء وباقي لغات الضعفاء الأخرى.
فاتني أن أتنفس هواء غير مستعمل وأن أقرأ شعرا غير مستعمل وانتهيت إلى إدمان تعاطي حياة مستعملة وانتعال أحذية مستعملة وارتداء ثياب مستعملة والإيمان بأفكار سياسية مستعملة والانخراط في أحزاب مستعملة و التصويت لمرشح مستعمل حتى صرت أشبه بمواطن مستعمل.
فاتني أن أفهم أن الجغرافيا هي الوحيدة التي لا يمكن صنعها أما التاريخ فشيء يمكن صنعه إذا توفرت لدي الشجاعة والسواعد الكافية لذلك.