الكلم الطيب أميتكي مشرف
عدد الرسائل : 189 الموقع : الرباط العمل/الترفيه : بعرق جبيني // المطالعة *سياحة الجبال المزاج : الرضى و القناعة تاريخ التسجيل : 11/12/2008
| موضوع: العقارب // معلومات عن هدا الكائن السام 03.02.09 13:53 | |
| العقرب, ذلك الكائن المفصلي, ذو الكلاّبات الحادة والإبرة الشيطانية اللادغة, والأرجل الثماني, التي يتسلل بها إلى المواقع المظلمة, حيث يكمن بانتظار ضحاياه. إنه تجسيد لكابوس دائم يصيب البشر, في كل أنحاء العالم, بالهلع, وهو يحتل المرتبة الثالثة, بعد الثعابين والنحل, من حيث عدد البشر الذين يروحون ضحايا لدغاته القاتلة. وبالرغم من أن خبرة البشر بالعقارب ضاربة في عمق التاريخ, فإن معلوماتهم المحققة عنها كانت, حتى وقت قريب, قليلة, وذلك لأنها - العقارب - نجحت في إخفاء نفسها بعيدا عن متناول البشر, فاختارت أماكن معيشة منوعة وغريبة, وكان العلماء يطاردونها تحت الصخور, في أوقات النهار فقط, وكانوا يعجزون عن الوصول إلى الأنواع التي تعيش في عتمة شقوق الصخور, وتحت الرمال, حتى اكتشف عالم الحشرات الأمريكي (ستان ويليامز) في العام 1968, خاصية توهج جسم العقرب تحت الأشعة فوق البنفسجية. وكان مردود هذا الاكتشاف أن ارتفع عدد أنواع العقارب المعروفة للعلماء, في الولايات المتحدة الأمريكية, فقط, من 38 إلى 92 نوعا. والجدير بالذكر, أن عدد الأنواع المعروفة, في العالم, يبلغ 1500 نوع. وبالرغم من كبر هذا الرقم, فإن بعض العلماء يراه نصف الرقم الحقيقي, وذلك لأن عمليات الكشف عن العقارب باستخدام مصابيح الأشعة فوق البنفسجية, المعروفة حاليا باسم مصابيح الضوء الأسود, ظلت مقصورة على مواقع قليلة متفرقة في العالم, بالرغم من مرور ربع قرن على اكتشاف هذا الضوء. لقد كانت الأجداد الأولى للعقارب تعيش في البحار, وكانت تصل إلى ثلاث أقدام, طولا, وتتخذ أشكالا مرعبة, ويبدو أن ثمة ظروفا دفعتها إلى هجرة حياة البحر والصعود إلى اليابسة, منذ ما يقرب من 350 مليون سنة. وقد تطلّبت حياة اليابسة أن تتهيّأ لها العقارب, باكتساب عدد من القدرات الخاصة, وببعض التحورات في التركيب والهيئة, فاستغنت عن الخياشيم وامتلكت رئات, ودرّبت أطرافها حتى صارت للمشي بدلا من السباحة, غير أن أهم الصفات التي اكتسبتها العقارب, ومكّنتها من الاحتفاظ بموقعها في خريطة الحياة على سطح الأرض, فلم تنقرض, بالرغم من تعدد الأخطار التي تواجهها, وهي أخطار أدت إلى انقراض عديد من الكائنات الأخرى. أهم هذه الصفات المكتسبة, هي قدرتها على التحكم في عملية التحول الغذائي, وبالتالي, صون ما تتحصّل عليه من كميات الطاقة, وتنظيم استهلاكها, تحسباً لظروف شحّ الغذاء, التي ترغمها على الصوم زمنا قد يطول إلى سنة كاملة! بالإضافة إلى ذلك, فإن صغار العقارب تخرج إلى الحياة على درجة عالية من القدرة على تحمّل مسئولياتها, بعد فترة احتضان ورعاية طويلة, في كنف الأمهات, إنها تتجمع فوق ظهر الأم, لأيام عدة, وربما لأسابيع, تستهلك خلالها المواد الغذائية المختزنة في أجسامها الهشة, وتمتص من الأم ما تحتاج إليه من الماء. الأكثر من ذلك, أن العقارب اكتسبت قدرة فائقة على التأقلم والاستجابة للمتغيرات البيئية, فهي تتحمل العيش في الموائل المتباينة, في كل قارات العالم, عدا الأنتاركتيكا, فتجدها في أشد صحراوات العالم جفافا, وتحت الصخور المغطاة بالثلوج, على ارتفاع 14 ألف قدم, في جبال الهيمالايا, كما رُصدت أنواع من العقارب تعيش في كهوف على عمق نصف ميل, تحت سطح الأرض. وتصل قوة تحمل العقارب إلى حد مقاومة ظروف التغيرات واسعة المدى في درجات حرارة الوسط المحيط بها, من بضع درجات تحت الصفر, إلى 50 درجة مئوية, كما أن ثمة أنواعا تعيش قرب الشاطئ, ويمكنها تحمّل الحياة وهي مغمورة تماما بمياه البحر, لمدة يومين كاملين! وأخيرا, وليس آخرا, فقد لوحظ أن العقارب لا تتأثر عند تعرضها لجرعات مكثفة من الإشعاعات! وتشتهر العقارب بأنها تأكل بعضها بعضا, وهو سلوك يراه نفر من علماء سلوكيات الحيوان وسيلة للتغلب على قسوة الظروف المعيشية التي تحياها العقارب, فهو (قارب النجاة) إن ضاقت عليها سبل العيش, ومن ناحية أخرى, فإن هذا السلوك - في ذاته - هو أداة لتشكيل تجمعات العقارب, حسب الفئات العمرية, فالعقارب الأحدث تضطر إلى تكوين تجمعها الخاص, المنفصل والمتباعد عن تجمع العقارب الكبيرة, من الآباء والأعمام, المتربصين بهم. كما أدى هذا السلوك إلى تنظيم أنشطة الصيد, بحيث يخرج الصغار لاقتناص الغذاء في أوقات مختلفة عن مواعيد الكبار, فلا يدخلون معهم في منافسة يخسرونها دائما, وقد يتحول الكبار إليهم, إذا عزّت الفرائس وندرت, ضاربين عرض الحائط بأواصر القربى! وترصد العقارب أعداءها وفرائسها عن طريق المويجات الاهتزازية التي تصدر عن حركتها, ويمكنها التقاط هذه المويجات, من على بعد لا يزيد على قدم واحدة, عندما تنتقل إلى شعيرات حسّية, منتشرة على أقدامها, فتحدث الاستجابة, في جزء من الثانية, فتحدد اتجاه مصدر الحركة, وتتأهب العقرب, فتشرع سلاحها المميت - الإبرة السامة - في انتظار الضحية. وتعيش العقارب في جحور تحفرها بنظام هندسي خاص, وعندما فكر الباحثون في استكشاف نظام هذا الجحر, صبّوا فيه رصاصا مصهورا, وانتظروا حتى برد وجمّد, فرفعوه, ووجدوه على هيئة حلزون نازل, بارتفاع تسع بوصات, وانتهى الباحثون إلى أن هذا الجحر ضروري جدا لحماية العقرب من جفاف البيئة الصحراوية, ومن الأعداء الطبيعيين... إذ إن كثافة توزيع العقارب في تلك البيئة تعد عالية, فثمة عقرب واحد في كل مترين مربعين, ومع هذه الكثافة, يصبح العقرب صيدا سهلا مؤكدا لبعض أعدائه, مثل السحالي وصغار الحيوانات اللبونة والبوم, بالإضافة إلى الأنواع ذات الأحجام الأكبر, من العقارب نفسها, فإذا لجأ العقرب إلى جحره, عزّ على أعدائه. كما وجد العلماء أن عقارب الرمال تقضي 92 إلى 97 بالمائة من حياتها بالجحر, فهي لا تكاد تبارحه, إلا للضرورة القصوى, بحثا عن طعام, أو طلبا للزواج, فإن هي خرجت مرة ومرات, دون أن يصادفها طعام, فلا غضاضة, فهي ترتد إلى جحرها في لحظات, ولكنها تحتاج إلى تأمين خروجها من الجحر الحصين في رحلة الحب والزواج, فكيف يتأكد العقرب الذكر من وجود العقرب الأنثى بالخارج, ليتم الزواج? اكتشف العلماء أن العقرب ينفرد بوجود زوج من الزوائد البطنية, كأنها أرجل ضامرة, تغطيها مصفوفات من شعيرات حسّاسة. ويعتقد العلماء أن هذه الزوائد الفريدة قد تطورت إلى قرون الاستشعار في الحشرات. وفي موسم التزاوج, ترسل العقرب الأنثى, طالبة الزواج, رسالة كيماوية, فتترك وراءها إفرازات خاصة, يقال لها (الفيرمونات), فإذا خرج الذكر من مكمنه, بحثا عن طعامه, فإنه يمسح المنطقة حول جحره, مستخدما زائدتيه البطنيتين, فإذا صادف الفيرمونات, أحسّ بها, ووصلته الرسالة, التي يفهم منها أن ثمة عقربا أنثى, تنتمي لنفس نوعه - وهذا مهم جدا - وأنها على مقربة منه, وتنتظر أن يتقدم, ويخطب ودّها! ويستجيب العقرب الذكر لرسالة أنثاه, فتنتابه موجة ارتعاشات, ويضطرب أسلوب حركته, فينتقل الإحساس بهذه الحركة غير العادية, عبر الرمال, إلى الأنثى, فتدرك أن (رجلها) بالقرب منها, وهو في الطريق إليها, وقد اختارها أمّا لأبنائه! الجدير بالذكر, أن الفيرمونات, وسيلة الاتصال بين العقارب, هي خليط من مواد كيماوية, يختلف تركيبه بين أنواع العقارب, فلا يستطيع عقرب من نوع ما أن يحل رموز شفرة فيرمون أنثى من نوع مختلف, ولولا هذه الخصوصية لاستخدمت الإناث من أنواع العقارب الكبيرة فيرموناتها للإيقاع بذكور العقارب الصغيرة, لا للزواج, ولكن للافتراس!! | |
|