إكليل الأنوثة، ومصدر القوة في شمشون، ومجال واسع في حركة الاقتصاد
عندما كانت الأنثى تصل إلى ذروة غضبها، أو احتجاجها، أو حزنهـا: تخلع عن دماغها أي ساتر أو غطاء لينطلق الشعر- بفتح الشين- في حركة معبرة تتجاوز ما قد تقدمه العيون والكلمات في ذات الموقف، إن الشعر- هنا- يعني الخروج على المفهوم القائم دون تحديد لمفهوم جديد، السيدات المحتشمات في قريتنا لجأن مرات إلى الشعر مما جعل صورتهن بالغة الثبات في الذاكرة- ذاكرتي، وهناك- ولمرة نادرة- واحدة من قرية مجاورة لقريتنا، اشتهرت بجمالها، وكان لزوجها فروسية وشكيمة، لكنه قتل علناً، ولم يتم إثبات الإدانة على المتهمين بقتله فصدر حكم القضاء ببراءتهم، وحاولت الزوجة الجميلة تحريك- أو عقد- مجلس عرفي لتأخذ بعض حقها- أو ثأرها دون جدوى، وكان احتجاجها على الجميع بليغاً- وبالغاً، حلقت شعر رأسها وخرجت عارية الدماغ تجوب شوارع القرى في صمت، ولعل ذلك وراء ما يقال عن ابنة الملك أوديب- في الأسطورة اليونانية- والذي كان ملكاً على طيبة، وكان قد قام بقتل أبيه دون أن يدري "مع إضافة أنه تزوج أمه"، فلما عرف ذلك فقأ عينيه وظل هائماً على وجهه، ويقال إن أنتيجون- ابنته الكبرى- كانت في رفقته تجره في وهاد البلاد حول طيبة، وقد حلقت شعرها، هناك من يقول إن ذلك حدث للملك المصري القديم الشهير: اخناتون، والذي اصطدم به كهنة المعبود "آمون" بعد أن قام بتغيير ثوري ليسقطه فيحل مكانه المعبود "آتون" ، فاضطرب إخناتون تاركا عرشه ويظل هائما في البراي والصحاري المصرية،. وقد فقد بصره وكانت تقوده واحدة من بناته وقد حلقت شعر رأسها- حزنا أو احتجاجاً صامتاً،
لاحظ أننا وقعنا- أثناء الكتابة- في كمين شعر الرأس، ورأس الأنثى على وجه خاص ، وهو الذي على الخدود يهفهف ويرجع- أي يعود- فيطير، على جناح هذه الأغنية الجميلة لعبدالحليم حافظ، مع أن دليلة- في أسطورة أخرى- أودت بالبطل الحبيب شمشون إلى المهالك بسبب قيامها بحلق شعر رأسه- حيث مكمن قوته، وكما ترى فسوف يظل الشعر رمزاً للأنوثة أو الذكورة- المهم طريقة صياغته ليعبر عن المراد، حينئذ نصطدم بما قام به الممثل الأمريكي الشهير يول برينر، حينما قام بحلق رأسه حلاقة بطحاء ملساء، ليلغي بذلك هذا العنصر الشمشوني البطولي ، المؤثر دائما، في عصر نجوم الأناقة التي يتوجها تشكيل- أوتنميق- أو تنظيم الشعر: جريجوري بيك، كلارك جيبل، جيمس ماسون، وهو ما سبق لصناع السينما أن حاولوه ليجعلوا أبطال القوقاز وقادة شعوب الرعاة في العصور السحيقة محلوقي شعر الرأس، التاريخ يقول غير ذلك.
والأنثى الجميلة، والتي تحس بذاتها وقدراتها، تلجأ إلى شعرها مقدمة لإبراز تألق الوجه الجميل في الخدود والعيون ، حتى في حالات التحفظ الأنثوي الشديد حينما تغطي رأسها، تترك لخصلات الشعر المختنق بالتقاليد فرصة الإطلال المدسوس فوق الجبهة: فتزداد- بذلك- جمالاً، وهو ما أدى إلى استيلاء عنصر الشعر- في الأنثى أولاً ثم في الرجل بعد ذلك- على نسبة من حركة الاقتصاد في العالم كله: التشكيلات وصالونات صياغته والمجلات المختصة به، وما يستلزمه ذلك من زيوت ودهانات وشامبوهات
كما أن صباغة الشعر بسبب السن أو الرغبة في التغيير أو لإعادة تنسيق لون الشعر لحساب الموقف الراهن- عادة معروفة في الجماعات البشرية المختلفة ، وظلت الحناء- حتى اليوم- من أهم مواد الشعر منذ قديم الزمان.
ومع كل هذا الجمال حول الشعر الإنساني، فإني أرى ألا ننزاح بعيداً إلى شعر الغوريلا ولبدة رأس الأسد، أو الأمراض التي تصيب فروة الرأس مدمرة للشعر ، فإن ذلك يفسد أموراً كثيرة، كما آمل أن نستبعد ذلك المشهد الخالد حينما تمتد قوة يد الذكر إلي رقة وانسياب شعر الأنثى- في حالة غضب- كي تجذبها في عنف ليلقيها أرضاً، وهو ما أدى- في حالات التحرر الأنثوي الحديث- إلى أن تلجأ الأنثى لصياغة شعرها بشكل صبيانى ، يبدو أحيانًا جميلاً ومتناسقاً
، نعم : يبدوا أحياناً.