لسنا بحاجة إلى مقدمة لتعريف القارئ بأندريس انييستا أو الدون انييستا أو الرسام أو بيكاسو ، أو جوهرة لا ماسيا، أو قاهر البلوز أو حتى "اللاعب الذي قال لكريستيانو رونالدو: اخرس" ، سمه كيفما شئت و أطلق عليه ما شئت من الأوصاف و الالقاب فهو من القلة القليلة التي يتفق على موهبته مشجع برشلوني في كتالونيا و آخر مدريدي في العاصمة. إذا فتحت قاموس جماليات كرة القدم و بحثت عن مترادفات لكلمات: تواضع، مثابرة، عزيمة و انتماء فإنك ستجد كلمة "أنييستا" امام كل واحدة منها. نجم هذه السلسلة غني عن التعريف و لذلك فساكتفي بالقول بأنه قضى 15 من سنين عمره السبعة و العشرين لاعبا في صفوف البارسا بمختلف فئاته العمرية قبل أن يصل على يد الهولندي فان غال إلى الفريق الأول. "صاحب البشرة البيضاء" أتم 54 مباراة بقميص البارسا "ب" و 367 مباراة بقميص الفريق الأول،، الذي يعد اليوم أفضل فريق في العالم.
ولد أندريس انييستا لوخان في قرية فوينتي البيا ، محافظة البسيط، في الحادي عشر من أيار - مايو لعام 1984 في حضن عائلة متوسطة الحال تتكون بالإضافة إلى والديه خوسيه انطونيو و ماري من شقيقته ماريبيل التي رأت النور في السادس و العشرين من حزيران –يونيو من عام 1986. كان والد اندريس عاملا في قطاع البناء بينما والدته ربة بيت. "تعتبر فوينتي البيا بالنسبة لي مكان رائع و مضياف و يتميز بالعديد من المواصفات التي تمنح النفس الطمأنينة و الهدوء و الاسترخاء. ولدت في هذه القرية التي عشتها فيها لسنوات طويلة بصحبة والدي و أختي ،و أحبذ قضاء اجازاتي الطويلة هنا كاجازات اعياد الميلاد و غيرها. الجميع في فوينتي البيا ما يزال ينظر إلى انييستا كذلك الطفل الذي غادر عندما كان عمره 12 سنة. أشعر أن هويتي ما زالت مغروسة في هذا المكان الذي أدين له بالحب و الولاء"، يعبر انييستا من خلال هذه الكلمات البسيطة عن صدق شعوره و قوة ارتباطه بالقرية التي تشكل، على الرغم من مضي 15 عاما على انتقاله إلى برشلونة، البيئة التي حددت معالم شخصيته و تكوينه الذاتي و النفسي. نستدل على ذلك أيضا بما يقوله عادة "قاهر البلوز" في الاحتفالات التي لم تتوقف منذ سنين في الكامب نو بعد الظفر بكأس أو ليغا أو بطولة اوروبية:"عاش البارسا، عاشت كتالونيا و عاشت فوينتي البيا".
تعلق انييستا بالكرة بدأ منذ وقت مبكر جدا،، فصدق أو لا تصدق،، بدأ بيكاسو البارسا بركل الكرة حتى قبل أن يكمل التسعة شهور، كان وقتها قادرا على المشي في ذلك البيت المتواضع ذي الرقم "8" و هو نفس رقم الفانيلة التي لوح بها بيكاسو بعد أن أطرب ملايين البلوغرانا في العالم يوم قهر تشيلسي في الستانفورد بريدج و قاد البارسا نحو "الملعونة الثالثة". عن بدايات طفولته مع الكرة يقول نجمنا: ""تعلمت حب و عشق كرة القدم على يد والدي الذي كان لاعبا في احد فرق الدرجة الثالثة قديما. عندما أعود من برشلونة إلى قريتي يمازحني بعض الجيران و الاصدقاء بالقول: " كان والدك يلعب الكرة أفضل منك الآن".
اشترك اندريس و والده بحب الكرة لكن الابداع و الفن و المهارة كانت من نصيب الصغير فحسب. بالإضافة إلى اهتماماتها بالقطاع الزراعي و خاصة زراعة كروم العنب و مزارج الدجاج البياض كانت تمتلك عائلة انييستا، و بالأخص جده لأبيه، المطعم الأبرز في القرية. في عطل نهاية الاسبوع و خلال المناسبات و الاحتفالات و الاعياد التي كانت تشهدها القرية، كان جميع افراد العائلة بمن فيهم اعمامه و والديه و اخته ماريبيل التي تصغره بعامين- يتجهون إلى المطعم للعمل و مساعدة الجد اندريس لوخان، جميع أفراد العائلة باستنثناء انييستا الذي كان يختلق الحجج و المبررات للغياب عن المطعم و التمتع بلعب الكرة مع زملائه.
الرسام يركل الكرة كبيرا في باحة المدرسة التي شهدت تألقه صغيرا
في عمر الثمانية ترك انييستا ساحة المدرسة و توجه ليلتحق بصفوف فريق البسيط لكرة القدم للأشبال بناء على دعوة من مدربين الفريق. برزت آولى العبقات في طريق الصغير منذ اليوم الأول له. تبعد قرية انييستا عن منشآت النادي التي تحتضن التدريبات اليومية نحو 42 كيلومتر في حين كانت التدريبات تبدا الساعة الواحدة و النصف يوميا أي وقت انتهاء دوام الصغير في مدرسة القرية. توجه والده إلى مدير المدرسة و طالبها بمساعدته للتغلب على هذه العقبة و هو ما تم بالفعل حيث سمحت الادارة للصغير بالمغادرة يوميا قبل نصف ساعة من انتهاء الدوام المدرسي. في كل مرة كان انييستا يخرج بها من المدرسة تكون في انتظاره سيارة يقودها جده أو والده او والدته من اجل الانطلاق إلى مدينة البسيط. في الطريق كان انييستا يتناول طعام الغداء على عجل يتبعه بقطعة من الحلويات. بعد عامين من التمرين و الانخراط في البطولات المحلية على مستوى مدينة البسيط و اقليم كاستيا سافر انييستا بمعية فريق أشبال البسيط لكرة القدم إلى بلدة برونيتي التي تبعد 29 كيلومتر غرب العاصمة مدريد من أجل المشاركة في البطولة السنوية لسباعيات كرة القدم للصغار التي تحمل اسم المدينة.
42 كيلومتر المسافة التي كان انييستا يقطعها يوميا من اجل التدرب مع فريق البسيط !!
إذا، شارك انييستا في لاول مرة في بطولة خارجية عام 1995 عندما قرر مدرب فريق ناشئي البسيط استدعائه كلاعب في الفريق المشارك على الرغم من أن البطولة كانت لمن هم أكبر منه بعام. يقول الرسام: "بطولة برونيتي تعتبر البطولة الاهم التي خضتها و أنا صغير لأنها كانت المرة الاولى التي نخرج فيها من مدينة البسيط للمشاركة في حدث خارجي." حصل فريق انييستا على المركز الرابع في البطولة و هو ما فاجأ الجميع و منذ اللقاء الاول الذي جمعهم بناشئي ريال سوسييداد أصحب صاحب الفانيلة رقم "6" آنذاك محط انظار الجميع بمن فيهم بعض ممن كانوا يعرفوا بـ"صيادي المواهب" الذين كانوا يعملون لحساب فريق العاصمة الكتالونية حيث كانت مهمتهم تتلخص في ارسال التقارير أولا بأول إلى الادارة في برشلونة حول "نجوم محتملة في المستقبل".
خوسيه رامون دي لا مورينا الذي أوجد بطولة "برونيتي" و صاحب أشهر برنامج اذاعي في اسبانيا حاليا – برنامج “العارضة” الذي تذيعه شبكة "كادينا سير" الاسبانية يقول عن نجمنا في تلك البطولة: " كان انييستا صغير البنية كما أعتقد أنه كان اللاعب الاصغر سنا فيها.". حصل فريق "الاندريس" على المركز الرابع في البطولة. شهد العام التالي هبوط فريق البسيط الأول إلى الدرجة الأولى ففقد الفريق فرصته في المشاركة في النسخة التالية من بطولة برونيتي لعام 1996 ، و التي تقتصر المشاركة فيها كما نعرف على فرق الدرجة الممتازة. لعب القدر و قليل من الحظ دوره في حمل انييستا على رأس فريق البسيط إلى العاصمة مدريد للمشاركة في تلك النسخة بعد أن رفض فريقان من الدرجة الممتازة التواجد فيها. و إذا ما كان الصغير قد لفت الانظار إليه عام 1995 فإنه سطع و برز أكثر من اي وقت مضى في نسخة العام التالي. لم يتغير عليه شيء إلا بضع سنتيمترات من الطول كما انه لم يعد يحمل الرقم "6" و إنما "5". حقق فريق البسيط الانتصار تلو الانتصار في تلك المسابقة و جمع القدر في مباراة نصف النهائي "انييستا" و رفاقه بالفريق الذي سيصبح بعد سنوات أحد أبرز صانعي انتصاراته: نادي برشلونة لكرة القدم. انتهت المباراة بخسارة مذلة لفريق البسيط و بفارق وصل إلى ثمانية أهداف. في مباراة المركزين الثالث و الرابع ضد فريق اتلتيكو مدريد سجل انييستا ضربة الجزاء الاخيرة التي ضمنت له و لرفاقه المركز الثالث، و بعد تسجيل ذلك الهدف ركض الصغير رافعا قبضته اليمنى باتجاه مدربه و بكى بشدة بين يدي الأخير. على المستوى الفردي حصل "الدون" على لقب أفضل لاعب في البطولة.
يحدثنا "الرسام" عن تلك البطولة و انطباعاته حول ردود أفعال المتابعين لتألقه و بروزه بها: "لم أتوقع اطلاقا أن يتعاقد معي أحد الكبار على اثر مشاركتي في برونيتي. لم يشغل ذلك بالي قط. كان هدفي الوحيد هو الذهاب لمدريد و التمتع برفقة اصدقائي. لقد تفاجأت كثيرا بعد أن وصلنا لنصف النهائي و هو ما سمح لي بالحصول على كأسي الاول". رادومير أنتيك المدرب الحالي للمنتخب الصربي الذي كان يشرف آنذاك على فريق اتلتيكو مدريد اكد لقناة "سير" الاسبانية في ذلك الوقت بان "اندريس انييستا سيكون أحد اعمدة المنتخب الاسباني خلال أعوام."
الرسام الصغير يخوض غمار بطولة برونيتي
أصاب أنتيك في تنبؤاته التي أكد أنه بناها بعد ملاحظة دقيقة لصاحب الفانيلة "5" في بطولة برونيتي الذي "لا يرتكب أخطاء ولا يمرر حتى تمريرة واحدة خاطئة ولا يحتج على الحكام. أنه اللاعب المثالي". بدأ انييستا يدرك في الايام التالية للمسابقة أنه كان قد قاد فريقه لتحقيق انجاز كبير لنادي متواضع مثل البسيط الواقع في مدينة متواضعة من جميع النواحي. قررت ادارة البلدية تكريم الصغار في حفل اقيم في الساحة الرئيسية للبلدة. كان ذلك أول ظهور علني لانييستا على مستوى جماهيري بحدود المدينة و ضواحيها. على مدى أيام البطولة التي كانت قناة "كانال بلوس" تتولى بث جميع لقائاتها بدأت فرق اسبانيا تطرق باب النجم الصغير إلا ان مصيره كان قد تحدد بشكل شبه قطعي. كيف حصل ذلك؟
بلدة فوينتي البيا احتفت بابنها الفنان باطلاق شارع على اسمه !!
تكريم من نوع آخر قدمه جد الأندريس لحفيده المبدع: جميع قصاصات الصحف التي تتحدث عن قاهر البلوز تغطي جدران مطعم العائلة،،
أندريس انييستا الاول،، جد لاعب البارسا
حب الأرض و عشق الزراعة مكون أساسي في شخصية ابن فوينتي البيا
الصحف الاسبانية بعد بطولة برونيتي: أندريس انييستا أفضل لاعب ناشئ في اسبانيا
في الحلقة القادمة:
كيف قادت الصدفة البحتة الأندريس إلى الكامب نو؟؟
ما هي المصاعب التي واجهها الصغير ابن العائلة المزارعة في مدينة صناعية بحجم برشلونة؟
كيف تراجعت العائلة عن قرارها اعادة انييستا من لاماسيا و الغاء انضمامه للبارسا؟؟