تعد مجموعة إزنزارن مدرسة لباقي المجموعات الأمازيغية. هذه المجموعة التي دفعت ضريبة الفن غاليا لكن ما تزال مقتنعة برسالتها وعازمة على تحمل كل شيء في سبيل إيصالها لهذا المجتمع البسيط، الذي ظل وفيا لها رغم التعتيم الإعلامي الممارس في حقها. إنها المجموعة التي حولتها جدلية الحضور والغياب إلى سؤال يحيى في الذاكرة، وظاهرة قل من يجهلها وفي الآن نفسه نذر من يعرفها حق المعرفة.كل هذه المميزات تدفع الإنسان إلى الوقوف لحظات تأمل أمام تاريخ هذه المجموعة الحافل بالأحداث وتحليل أغانيها المليئة بالثورة على اللامعقول واللإنسانية، والمستمدة لكلماتها من منطلقات فلسفية وتأملات في انكسار الوجود والمشاعر. فما هي إذن عصارة تاريخ هذه المجموعة وكيف استطاعت نصوصها أن تفرض سلطتها على الزمن علما أنها توقفت عن الإبداع منذ سنوات خلت كما نتساءل عن أسباب شهرة المجموعة رغم محلية اللغة.
وقفة مع تاريخ المجموعة
بديهي أنه من المستحيل الإحاطة بمسار هذه المجموعة منذ البداية حتى اليوم لكن هذا لا يعفي من ذكر أبرز المحطات التي مرت منها المجموعة والتي تبتدئ بتأسيس المجموعة من قبل خمسة أفراد هم: لحسن بوفرتال، مولاي إبراهيم، علي باوسوس، إيكوت عبد الهادي و عبد العزيز الشامخ الذي كان عنصرا من عناصر مجموعة لقدام المعروفة بمنطقة إنزكان في تلك المرحلة نقيض بقية الأفراد الذين كانوا متفرقين في فرق محلية باستثناء إيكوت عبد الهادي الذي كان في ذاك الوقت ملازما لأستاذه ساركو الذي علمه العزف على الكمان
أما بخصوص تسمية المجموعة باسم إزنرن التي تعني الأشعة فـتأتي بعد أسماء عديدة كجيل سيدي المكي، Tawda واTawada، و Itran، … من طرف بحار يشتغل بشاطئ تمراغت يسمى الحاج محمد ويكنى بالحاج بيسوفوسن بين أفراد المجموعة.
بعد سنوات من العطاء المتميز كلمة ولحنا وأداء ستتعرض المجموعة للانشقاق الذي يعرف أسبابه الحقيقية إلا رأسي الحربة إيكوت والشامخ. ومنذ تلك اللحظة صار الحديث عن إزنزارن عبد الهادي الذي ظل متنقلا بين مدينة الدشيرة و أيت ملول، و إزنزارن الشامخ الذي تحول إلى أكادير في مرحلة أولى ثم الرباط و باريس كما أنه راجع خطة عمله حيث زاوج بين إبداع الجديد وإعادة روائع بعض الفنانين القدماء أمثال الحاج بلعيد و بوبكر أزعري … بأسلوب عصري. في حين ظل الأول أي إيكوت عبد الهادي وفيا لنهج المجموعة منذ الأول. بعد هذا الحادث مباشرة ستشارك مجموعة إزنزارن عبد الهادي رفقة مجموعة ناس الغيوان في الأولمبياد الخاص بفرنسا في أول مشاركة خارج أرض المغرب وربما داخله أيضا.
تأملات في أغاني إزنزارن
إن قراءة نصوص هذه الأغاني وتحليل مضامينها يفضي بنا إلى التمييز بين نوعين من القصائد:
النوع الأول يشمل قصائد كتلك المعروفة بين الروايس المتناولة لأغراض كالغرل والمدح ووصف الطبيعة والمحيط اليومي .. ونستحضر هنا أغاني مثل واد ءيتمودونWad itmodo ، دونيت تزريDinitzri(الدنيا الفانية) ، عاوداسءاتاسنو Awiad Atassano، أهوي أهوي ءاتاسانو Oho oho Atassano، ءاكاس Agass(الجراح)، … والتي استطاعت من خلالها المجموعة أن تفرض نفسها بقوة في الساحة الفنية وتحقق انتشارا واسعا رغم حداثة أسلوبها في تلك الفترة.
النوع الثاني يضم قصائد تظهر بجلاء انكسار الذات في التفاعل مع اليومي والمعيش المحلي، كما تفصح عن فكر متوقد لدى أفراد المجموعة يعي ما يحيط به من متغيرات اجتماعية وسياسية محليا وطنيا و دوليا ونذكر منها رواRwa، توزالتTozalt ، كار ءازمزGar mz(الزمن غير المناسب) ، Tihira(النهايات) ، طبلاTbla (الصينية)، ءيزيليض Izilid(الأمطار الطوفانية) ، تيلاسTilass (الظلام)، ءالاطيف Alatif، نتغيNtgi (الحصار)، تيدوكلاTidokla (الصداقة)، ءانمالAnmal ، …
غير أن الملفت للنظر هو هيمنة معجم الطبيعة في كل القصائد بل و تطويع بعض الأعمال التي يقوم بها الإنسان البسيط لترمز لأحداث وتستعار للدلالة عن أشياء في نسق لغوي يعجز الباحث عن وصفه. وكمثال عملية الرعي ( توكسا) والكيفية التي وظفت بها في قصيدة نوزالت المتحدثة عن الصراع العربي الإسرائيلي. نفس الشيء يقال عن قصيدة ءيزيليض . كما نود الإشارة إلى بعض النصوص القوية من ناحية الخطاب ـ وإن كانت جلها كذلك ـ كنص نتغي، كار ءازمز و ءالاطيف .
وتحضر في هذه النصوص ميزة فريدة هي توظيف الأمثال والأقوال الحكمية إذ لا يخلو نص منها، والكل يعلم وظيفتها وما تضفيه من جمالية على النص. ومن أمثلة ذلك "ءيويج رجا سيرم ءاتامدا و سوغ ءيريز" و " ءيغ ءانتال ءارتادرم محال ءيس نمون" و " ءاسافار غ ءوفـرزيز ءور ءيلي غ رمان" و " أوراك نصفا نكني ءيزد أد صفون وامان" و " مناصا غ ءولي فردنت مناصا أزومنت" …
نود أن اختم هذه النقطة الخاصة بوقفة مع قصيدة من إبداع الأسطورة محمد الحنفي، يعرفها الجميع كبارا وصغارا أمازيغ وغير أمازيغ، إنها رائعة "إمي حنا" وهذا مقطع منها:
إمي حنا كاف ربيغ تاس ولا يولي
نتات أيت سون أفود أرفلاتي تنتال
تسوا داتنس أصميد تسمستر فلاح
تزضا تزدمد تكومد ح لحما ولا أصميد
تصبر ءيتازيت ن باب تش فلات ءاكراي
ءاح أبابا ءيح تسوكيت إمي تقرتاح
ءاد ءوكان تفوغ منيد نك تاسيت ءاكوراي
إنها الأغنية التي تناولت اليتم كظاهرة عان منها الإنسان على مر التاريخ ونطقت باسم اليتيم وتحدث عن أوضاعه، بل هي قبل ذلك صرخة معبرة عن معاناة وأوضاع المرأة في القرية رغم دورها ومركزيتها في هذا المجتمع.
لماذا كل هذه الشهرة و الانتشار للمجموعة؟
في البداية قد يظهر أن من يمتلك الجواب عن هذا السؤال هم أفراد المجموعة وحدهم غير أن الواقع يكشف لنا عن أشياء أخرى تملك الجواب دون هؤلاء الأفراد وهي أغانيهم التي نجدها تخاطب الإنسان مطلق الإنسان ـ الإنسان ب"ال" التعريف على حد تعبير الأستاذ عبد الله أشملي ـ ، مكسرة لقيود اللغة ناطقة باسم الإنسان كإنسان دون تمييز أو تصنيف أو تحديد، كما تجاوزت محدودية هموم مجتمعها البسيط إلى قضايا إنسانية كبيرة بالنظر إلى لأفراد المجموعة وأيضا إلى الزمن الذي قيلت فيه. أغاني كانت وما تزال وستبقى قادرة على مواجهة سلطة الموت التي قضت على كل السلطات مهما كانت باستثناء سلطة الإبداع. أغاني أدتها المجموعة وهي فاتحة قلبها للعالم بأسره هذا العالم الذي لم يتسع لإزنزارن، والدليل على ذلك هو الوضعية الاجتماعية للأفراد المجموعة التي دفعت ضريبة ما أمنت به غاليا ، بيد أنها ما تزال مقتنعة به مستمدة الحياة من الحب الذي يمنحه لها المجتمع. كما أن الأمر قد لا يبدو غريبا إذا عرفنا الشعار الذي ترفعه هذه المجموعة، وقد أفصحت عنه في إحدى أغانيها وهو
نكي شهوان حوديحتنت ءور مقورنت
و قنع ءور ءاح ءيترجو الغرض المحالات
لكناتة.كوم